فصل: المبحث الخامس‏:‏ أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية في العالم العربي‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية **


 مقدمة

الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فـلا هادي له‏.‏ وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له، الذي علمنا ‏{‏فذَكِّرْ إن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ويَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 9ـ 12‏]‏‏.‏ وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الذي علمنا ‏(‏أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعـاداة في الله، والحب في الله والبـغض في الله‏)‏ ، والذي علمنا‏:‏ ‏(‏سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخـائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة‏)‏ قيل‏:‏ وما الرويبضة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الرجل التافه يتحدث في أمر العامة‏)‏‏.‏ اللهم صل على محمد وعلى آل محـمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد‏.‏‏.‏‏.‏

أما بعد‏:‏ مما لا شك فيه أن قضية ‏"‏بيت المقدس‏"‏ هي قضية العالم الإسلامي المحورية، واغتصابها على أيدي الإنجليز عام 1918، ومن بعدهم الصهاينة وقوى الاستعمار العالمي في 4 مايو 1948، قد عرض أمن العالم الإسلامي كله للخطر‏؟‏ فلقد أثبتت الدراسات والأحـداث أن العدو الذي اغتصب القدس لن تقف أطماعه عند هذا الحد، بل إنه يحلم بتمزيق العالم إلى ‏"‏كانتونات‏"‏ عرقية وطائفية، وإقامة دولة يهودية عالمية عاصمتها بيت المقدس، ومن أجل هذا كان للعدو استراتيجـية ثابتة تقوم على توجيه ضربات مباغتة ومفاجئة لدول المنطقة، ثم التوقف حتى يتم هضم اللقمة التي ابتلعها، ولا مانع أثناءها من رفع شعارات ـ السلام ـ لتخدير مشاعر الفريسة وأهلها ريثما يتم توجيه الضربة التالية، وهكذا‏.‏

والعقبة في سبيل تحقيق ذلك ـ كما يراها الصهاينة ـ هي عقيدة التوحيد، ووحدة الأمة المسلمة، وخصوبة النسل، والصحـوة الإسلامية المتنامية، وامتداد رقعة العالم الإسلامي، ووفرة ثرواته وموارده الطبيعية؛ ومن هنا كانت استراتيجية العدو التي تقوم على ضرورة تفكيك أوصال الأمة إلى كِيانات طائفية عرقية، مع إشاعة الفتنة بين هذه الكِيانات‏.‏ بالإضافة إلى محـاولة تحجيم نسل المسلمين، وطمس معالم عقيدة الإسلام في القلوب، وضرب مواقع القوة في الجسد الإسلامي بشتى الوسائل، وقد استطاع العدو أثناء تنفيذ هذه الاستراتيجية ـ تنويم الأمة ـ من خلال معاهدات السلام، وإجراءات التطبيع، ومن خـلال توظيف المنظمات الدولية، وغالب الأنظمة الحـاكمة بمؤسساتها السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والتعليمية، والإعلامية؛ لتحقيق أهدافه، ورغم هذا فيبدو أن قطاعًا كبيرًا من الأمة لا يدرك حجم تلك الأخطار‏.‏

ولما كان من واجب العلماء تنبيه الأمة إلى الأخطار المحدقة بها، وتبصيرها بضراوة الهجمة الصهيونية الاستعمارية، وأبعادها التي لن تقف عند حد اغتصاب فلسطين وحدها، لعل الأمة تنتبه، وتأخذ زمام المبادرة في التصدي لهذا العدوان الواقع عليها وتحرير القدس وغيرها من ديار الإسلام‏.‏ كخطوة أولى نحو تحرير إرادة الأمة، وإقامة دين الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏.‏

من أجل هذا كـان ‏"‏الكتاب الأول‏"‏، وهو عبـارة عن قـراءة في فكر بعض علمـاء الاستراتيجـية، والعلوم السياسية، والعسكرية، المشهود لهم بالكفاءة، وبعض الكتاب المعاصرين الذين نبهوا ـ جميعًا ـ إلى تلك الأخطار التي طوقت الأمة، وبينوا كيفية مواجهتها‏.‏

وقراءتنا هذه جعلناها في ستة فصول على النحو التالي‏:‏

 الفصل الأول‏:‏ قراءة في فكر اللواء أ‏.‏ ح‏.‏ د‏.‏ فوزي محمد طايل‏

 المبحث الأول‏:‏ الجولة الإسرائيلية العربية السادسة‏‏

 المبحث الثاني‏:‏ صدام محتمل من أجل القدس‏‏

 الفصل الثاني‏:‏ قراءة في فكر الأستاذ الدكتور حامد عبد الله ربيع‏

 المبحث الأول‏:‏ الصهيونية والاستعمار يعدون العدة لتمزيق مصر والمنطقة العربية‏

 المبحث الثاني‏:‏ لماذا يحرص اليهود على تمزيق المنطقة العربية‏

 المبحث الثالث‏:‏ الأدوات التي تتبناها السياسة الأمريكية‏

 المبحث الرابع‏:‏ مصر والحرب القادمة‏‏

 المبحث الخامس‏:‏ أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية في العالم العربي‏

 الفصل الثالث‏:‏ قراءة في فكر رجاء جارودي‏‏

 المبحث الأول‏:‏ حول كتابين

1ـ ‏"‏ملف إسرائيل ‏"‏‏.‏

2 ـ ‏"‏الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية‏"‏‏.‏

 المبحث الثاني‏:‏ إسرائيل ظاهرة استعمارية‏‏

 المبحث الثالث‏:‏ استراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينيات من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية‏

 الفصل الرابع‏:‏ قراءة في فكر دكتور جمال حمدان ‏

 الفصل الخامس‏:‏ قراءة في فكر الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي من خلال كتابه الشخصية اليهودية من خلال القرآن الكريم ‏‏

‏(‏تاريخ وسمات ومصير‏)‏‏.‏

 "الفصل السادس: قراءات ومقالات صحفية متنوعة"

 المبحث الأول‏:‏ قراءة في فكر د‏/‏ مراد هوفمان‏

 المبحث الثاني‏:‏ قراءة في مقالة‏:‏ ‏المصريون في مهب الريح ‏

 المبحث الثالث‏:‏ قراءة في فكر الأستاذ سعد الدين وهبة‏

 المبحث الرابع‏:‏ قراءة في مقالة الدكتور مصطفى محمود ‏(‏دستور اللصوص‏)‏

 المبحث الخـامس‏:‏ قراءة في مقالة الأستاذ أحمد بهجت ‏(‏جذور العنف‏)‏

أيها القارئ الكريم‏:‏

لا يفوتنا أن ننوه إلى أن دورنا في هذا الإصدار ـ الأول ـ هو دور المؤرخ الذي يقوم بتجميع الوثائق التاريخية، وترتيبها، تمهيدًا لإخضاعها للتقويم والتحليل، واستخـلاص النتـائج، والفضل لله ـ سبحانه وتعـالى ـ ثم للعلماء والكتاب الذين عايشوا القضايا والأحداث المصيرية، وغاصوا في أعماقها، وأدركوا خطورتها، فأدوا واجب البلاغ، ونبهوا إلى كيفية مواجهتها، ولكن الأمة ـ حتى الآن ـ لم تستمع لما قالوا، ولم تنتبه إلى خطورة البلاغ ‏.‏

بل إن من أبناء هذه الأمة من كان ينظر إلى هذا العالم‏.‏‏.‏أو ذاك قائلًا ‏:‏ ‏(‏خيال مريض‏!‏‏!‏‏)‏‏.‏

لقد مضى بعض هؤلاء العلماء ـ ووقع بعض ما ذكروا ـ بل إن بعضهم قد اختفى من على مسرح الحياة فجأة ‏!‏‏!‏ وفي ظروف غامضة ‏!‏‏!‏ ما أحس به أحد ‏.‏

وفي الحقيقة أن هؤلاء قد أدوا واجبهم ـ ونحسبهم كذلك والله حسيبهم ‏.‏

من أجل هذا كان هذا الإصدار ـ الأول ـ تذكرة للأمة بتراث هؤلاء العلماء والمفكرين، علها تبحث عنه وتدرسه وتنتفع به، وفي النهاية ندعو الله ـ عز وجل ـ بالخير للقائمين على دور النشر التي قامت بنشر فكر هؤلاء العلماء‏.‏

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

إعداد أ‏.‏ د ‏.‏ جمال عبد الهادي مسعود

الشيخ/ عبد الراضي أمين

 الفصل الأول والجولة الإسرائيلية العربية السادسة

 المبحث الأول‏:‏ الجولة الإسرائيلية العربية السادسة‏‏

 المبحث الثاني‏:‏ صدام محتمل من أجل القدس‏‏

 تعريف بالمؤلف‏

اللواء أ‏.‏ ح‏.‏ د‏.‏ فوزي محمد طايل‏.‏

* أستاذ الاستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية‏.‏

* من مواليد 1942‏.‏

* تخرج في الكلية الحربية 1960 ‏.‏

* تخرج في حقوق القاهرة 1978 ‏.‏

* حصل على الدكتوراة 1986‏.‏

* حصل على درجـة الزمالة بكلية الدفاع الوطني ‏(‏أكاديمية ناصر العسكرية 1987‏)‏ ـ توفي في 13 رمضان 1416 هــ 2 فبراير 1996

وللكاتب ‏(‏رحمه الله‏)‏ مؤلفات عديدة أهمها‏:‏

* أهداف ومجـالات السلطة في الدولة الإسلامية ‏.‏

* النظام السياسي في إسرائيل، دار الوفاء، المنصورة‏.‏

* آثار حرب الخليج على منظومة القيم الإسلامية العليا‏.‏

* آثار تفكك الاتحاد السوفيتي على أمن الأمة الإسلامية، دار الوفاء، المنصورة ‏.‏

* ثقافتنا في إطار النظام العالمي الجديد، مركز الإعلام العربي، القاهرة‏.‏

* شيشان والخطر المحدق بمسلمي آسيا، مركز الإعلام العربي، القاهرة‏.‏

* نحو نهضة أمة ‏"‏ كيف نفكر استراتيجيا‏؟‏ ‏"‏، مركز الإعلام العربي، القاهرة‏.‏

وللكاتب ـ رحمه الله ـ بعض الترجمات أهمها‏:‏

* البعد الإسلامي في حرب الخليج، عن اللغة الفرنسية‏.‏

* الجواسيس غير الكاملين، عن اللغة الإنجليزية‏.‏

وللكاتب ـ رحمه الله ـ كتابات وأبحاث عديدة في الصحف والمجلات‏.‏

الجولة الإسرائيلية العربية السادسة

تحت هذا العنوان كـتب اللواء أ ‏.‏ ح ‏.‏ د‏.‏ فوزي محمد طايل أستاذ الاستراتيجـية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية‏:‏

‏"‏درجت إسرائيل على شن حرب عدوانية توسعية كل عقد من الزمان فكانت الجولة الأولى عام 1948، ثم الثانية عام 1956، والثالثة عام 1967، والرابعة عام 1973، أما الجولة الخامسة فقد كانت عام 1982 في لبنان، وليس من قبيل الإغراق في استقراء الأحداث المستقبلية أن نتحسب لجولة عدوانية إسرائيلية سادسة في عقد التسعينيات‏.‏

وعلى الرغم مما يسمى بخطة ‏"‏بوش‏"‏ للسلام في الشرق الأوسط، فإن كل المؤشرات تدل على أن الجولة السادسة سوف تقع حتمًا بل إنها وشيكة الحدوث‏.‏

ولا غرو فما بدأ نزوح العدو إلى أرض فلسطين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلا بهدف الاستيلاء على ما يدعون أنه أرض الميعاد، وإقامة إسرائيل الكبرى، وطرد السكان الأصليين، وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى‏"‏‏:‏

وعرض الكاتب لأسلوب تفكير القـادة الصهاينة من خـلال كـتـاب ‏(‏، ريموند كـوهين ‏"‏ ‏"‏الثقافة والصراع في العلاقات المصرية الإسرائيلية‏"‏‏.‏

يقوم النزاع بين العرب وإسرائيل على أرض بعينها، وبينما قبل العرب تدريجيًا بفكرة تقسيم الأرض، ثم توالت تنازلاتهم في ظل الأرض مقابل السلام، فإن الفكر الإسرائيلي يقوم على أساس أن أرض إسرائيل هي المكان الذي فيه شعب إسرائيل، وتشكلت فيه شخصيتهم الدينية والسياسية، وعلى هذه الأرض أقاموا أول دولة لهم، وشكلوا القيم الثقافية ذات الدلالة العالمية، ومنحوا سفر الأسفار، وبالتالي فإن فكرة تقسيم الأرض كانت ولا تزال غير مقبولة‏.‏

إن قادة إسرائيل لايرون تعارضًا منطقيًا بعرض السلام، وفي الوقت الذي يلجئون فيه لاستخدام القوة المسلحة، ويعتبر القادة الإسرائيليون أن الضربات العسكرية هي بمثابة إشارات تحذيرية، كي يعدل العدو ‏(‏يقصد العرب‏)‏ مسار تصرفاته المستقبلية بما يتواءم وأهدافهم تجنبًا لما قد ينزل به من عقاب ‏"‏ ‏.‏

وذكر الكاتب أيضًا ما قاله ‏"‏إسحاق شامير‏"‏ لجريدة هاأرتس في يناير سنة 1987‏.‏

‏"‏لا سلام يدوم إلى الأبد، إن الاستقرار الدولي والإقليمي يقوم على قواعد للعبة قوامها الردع المستمر‏"‏‏.‏

‏"‏كما أن قادة إسرائيل بلا استثناء يؤمنون أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمن إسرائيل هي الهجوم والتوسع على حساب الأرض العربية والسكان العرب‏.‏

وبعد أن يقرر ‏"‏فرانك برنابي‏"‏ هذه الحقيقة يتساءل‏:‏ ومن ذا الذي يستطيع أن يلومهم على ذلك‏"‏‏؟‏ ‏.‏

ويواصل فوزي طايل حديثه‏:‏ ‏"‏قد أزعم أني لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت‏:‏ إنه بينما كان العرب في غفلة قامت إسرائيل بتمهيد الظروف الدولية ـ الإقليمية والمحلية ـ وقامت بدعم قواتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية استعدادًا لجولة عقد التسعينيات، وربما لا أتجاوز الحقيقة إن قلت‏:‏ إن هذا الاستعداد الضخم قد استغرق أكثر من عشرين عامًا من العمل المتواصل، لتحقيق أهداف محددة‏:‏

فتح باب هجرة اليهود السوفييت، وكذلك اليهود الأثيوبيين إلى إسرائيل على مصراعيه بأكثر مما يمكن أن تستوعبه الدولة برقعتها المحدودة حاليًا‏.‏

هجرة أعداد متزايدة من المهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وبعض البلاد العربية والأقطار الإسلامية، بعد أن كانت الصهيونية العالمية تعتمد على قوى كبرى لمساندتها، أصبحت الآن تتبنى فكرة تسخير قوى عظمى لتحقيق أهدافها‏.‏ هذه القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضم أكبر تجمع يهودي في العالم ‏"‏ لتحقيق الأهداف الصهيونية، وقد بلغ التغلغل الصهيوني في المجتمع الأمريكي وفي مؤسسات صنع القرار، وتوجيه الرأي العام، بل وفي مؤسسات صوغ وإدارة الأمن القومي الأمريكى، إلى حد تسخير الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة التحرك الصهيوني‏.‏ وقد يحتاج القارئ لبعض التفاصيل، حتى لايكون الأمر غامضًا‏:‏

* أسست الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية منظمات للتحرك السياسى اصطلح على تسميتها باللوبي اليهودي وهي تتكون من‏:‏

* اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة ‏(‏الإيباك‏)‏ AIPAC تأسست عام 1959‏.‏

* رؤساء المنظمات اليهودية‏.‏

* مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى وتأسس العام نفسه‏.‏

* لجان العمل السياسى ‏(‏باكس‏)‏ PACS، وأهمها اللجنة القومية للعمل السياسى ‏(‏ناتباك‏)‏ NATAPAC وتأسس عام 1982‏.‏

* معاهد الرأي وأشهرها معهدان‏:‏

أ ـ المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي ‏(‏جينساJINSA الذي تأسس عام 1977 ليكون مركزًا لمتابعة وزارة الدفاع الأمريكية ‏(‏البنتاغون‏)‏ وأداة لإقناع الرأي العام الأمريكي بالارتباط الحتمي بين أمن الولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل، وغالبا ما تتسرب المعلومات العسكرية السرية الأمريكية إلى إسرائيل عبر هذا المعهد‏.‏

ب ـ معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويهتم هذا المعهد بالتحرك المؤيد لإسرائيل في أوساط المثقفين والعلماء ورجال الإدارة والسياسة وشؤون الأمن القومي في أمريكا‏.‏

وقد نجحت هذه المنظمات ـ إلى حد كبير ـ في جذب تعاطف الشعب الأمريكي من غير اليهود، خلال التركيز على وحدته الثقافية اليهودية النصرانية‏.‏

‏"‏وتعمل هذه المنظمات على السيطرة بطرق مباشرة وغير مباشرة على قمة السلطة في اتخاذ القرار الأمريكي، عن طريق إحاطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ونائبه وأعضاء الكونجرس بعدد من اليهود الذين يقيمون معهم علاقات شخصية وعلاقات عمل، فضلأ عن إيصال شخصيات إلى المناصب العليا في وزارات الخارجية والدفاع والخزانة ومجلس الأمن القومي، بل إلى مركز القرار نفسه، وتهتم تلك المنظمات بالسيطرة على مراكز إمداد أجهزة صنع القرار بالمعلومات، وعلى مراكز توجيه الرأي العام ‏(‏صحافة ـ دور نشرـ إذاعة ـ تلفاز ـ والسينما‏)‏، بل وعلى الجامعات ‏(‏هيئة التدريس والطلبة‏)‏‏"‏‏.‏

‏"‏إن النتيجة الحتمية لكل هذا‏:‏ أن القرارات الأمريكية لم تعد تتخذ لمراعاة أمن ومصلحة إسرائيل فقط، بل إن القرارات أصبحت تتخذ في كثير من الأحيان مستهدفة حماية أمن إسرائيل ومصلحـتها، وندلل على ذلك ببعض الأمور التي تمت في الثمـانينات ومطلع التسعينيات‏:‏

أولًا‏:‏ توقيع اتفاقية التفاهم الاسراتيجي بين البلدين ـ إسرائيل وأمريكا ـ في الثلاثين من نوفمبر 1981، والتي بموجبها يتم إجراء التدريب المشترك بين قوات البلدين في شرق البحر المتوسط، وإقامة منشآت البنية التحتية، فضلًا عن التعاون في مجال البحث والتطوير ـ في كل النواحي العسكرية الحديثة ـ بما في ذلك برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي SDI ‏.‏

ولقد سار البلدان شوطًا طويلًا في هذا المجـال، فقام وزير الدفاع الأمريكي ‏"‏ريتشارد تشيني‏"‏ بزيارة لإسرائيل في الأسبوع الأخير من شهر مايو عام 1991، وقع في نهايتها اتفاقًا للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وأعلن أن بلاده تقوم بتمويل برنامج إنتاج الصـاروخ الإسرائيلي، كما أن أمـريكا قد بدأت منذ وقت قـريب في تكديس مخـزون استراتيجي من الأسلحـة في إسرائيل، يسمح لأي الدولتين باستخدامه تحسبًا لنشوب حرب جديدة بالشرق الأوسط‏.‏

ثانيًا‏:‏ قامت الولايات المتحدة بتحويل معوناتها العسكرية إلى العديد من دول العالم الثالث إلى إسرائيل، مقابل أن تقوم إسرائيل بتوريد الأسلحة والخبرة العسكرية لتلك الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك دعمًا لاقتصادها وصناعتها الحربية‏.‏

‏"‏لئن كـان قيام الولايات المتحدة الأمريكية بافتعال أزمة الخليج وتنفيذ عملية ‏(‏درع الصحراء‏)‏ يستهدف مصالح اقتصادية واستراتيجية أمريكية، فإن الأسلوب الذي تم به تدمير القوى الشاملة للعراق ـ والذي لا يزال مستمرًا ـ كان الهدف منه إزالة أقوى تهديد لإسرائيل، واستكمـال عزل سوريا بوصفـها الهدف الأول، وميـدان المعركـة الرئيسي للمستقبل في الجولة الإسرائيلية ـ العربية السادسة ـ حسب ما جـاء في الدراسة التي أعلنها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ونشرت عام 1995 تحت عنوان ‏"‏ميدان المعركة المستقبلي والصراع العربي الإسرائيلي‏"‏‏.‏

‏"‏وفي هذا السياق، فإن من غير المستغرب أن نرى الكونجرس الأمريكي وقد أصدر قانونًا في مطلع عام 1995، يعتبر فيه ‏"‏القدس‏"‏ عاصمة دولة إسرائيل، ضاربًا عُرض الحـائط بكل قرارات مجلس الأمن التي تعتـبـر ‏"‏القدس‏"‏ الموحـدة كِـيـانًا مستـقلًا ‏"‏Separatum Corpus‏"‏ تخضع لنظام دولي خـاص Special international regime ولا يجوز بالتالي إخضاعها لأية دولة يهودية أو عربية، في أية تسوية مستقبلية للمشكلة، وليس من المستغرب أيضًا أن يسعى ‏"‏الكونجـرس‏"‏ والرئيس الأمريكي شخصيًا لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر في العاشر من تشرين الثاني ‏(‏نوفمبر‏)‏ 1975 باعتبار ‏"‏الصهيونية أحد أشكال التمييز العنصري‏"‏ فيصدر ‏"‏الكونجرس ‏"‏ قراره رقم 73 في اليوم التالي مباشرة، مهددًا بإعادة تقويم مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مستقبلًا‏.‏‏.‏‏.‏ ثم يتم تجديد هذا الموضوع، وبعد ممارسة الضغوط على الأمين العام للأمم المتحدة ‏"‏خافيير بيريز دي كويار‏"‏ يصدر بيانًا في شهر أيار ‏(‏مايو‏)‏ 1991، ينتقد فيه قرار الجمعية العامة بشدة ويدعو لإلغائه، في أول سابقة من نوعها، يخرج فيها شاغل مثل هذا المنصب العالمي عن حياده بهذه الصورة السافرة‏.‏

وأخيرًا‏:‏ فليس من المستغرب أن يلغي ‏"‏الكونجرس‏"‏ الأمريكي في شهر حزيران ‏(‏يونيو‏)‏

1991 القانون الذي يحرم الاتحـاد السوفيتي من المساعدات الأمريكية، ومن تطبيق شرط ‏"‏الدولة الأولى بالرعاية‏"‏ عند التعـامل معه، في مقابل القانون الذي أصدره الاتحـاد السوفيتي فخففا القيود عن هجرة اليهود السوفيت الأمر الذي رفع عدد هؤلاء المهاجرين إلى 380 ألفا في عام 1990، بدلا من العدد الذي لم يكن يتجـاوز 200 مهاجر في العام الواحد‏"‏‏.‏

ثالثًا‏:‏ ‏"‏وفي إطار التحرك الإسرائيلي لمحاصرة المنطقة العربية ـ دبلوماسيًا واقتصاديًا ـ فإن إسرائيل قد تمكنت من تحسين علاقاتها، وإقامة جسر من المصالح المشتركة مع العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، بما في ذلك دول إسلامية، مثل نيجيريا وتركيا، بل ووصلت إلى إقامة هذه العلاقات مع دول كـانت ترفضها تقليديًا، مثل الهند والصين الشعبية‏.‏،‏.‏ ناهيك عن العلاقات القوية والمتشابكة مع دول أخرى كجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتايوان، ومعظم دول أمريكا اللاتينية‏"‏‏.‏

رابعًا‏:‏ أما على صعيد دعم القدرات الإسرائيلية الممتزجة بمعاناة المجتمع الإسرائيلي من مشكلات حـالية وملحـة، فإنه يعد في تقديري بمثابة مؤشر واضح على حتمية الجولة السادسة ـ التي أزعم أنها وشيكة الوقوع ـ فإذا ما انتقلنا إلى محاولة رصد المؤشرات الدالة على قرب وقوع الجولة السادسة، وتلك التي تحـدد ملامحـها الرئيسية فيمكننا ملاحظة ما يلي‏:‏

1 ـ اشتداد أزمة نظام الأمن العربي‏:‏

‏"‏لقد نشأ النظام الإقليمي العربي في إطار ‏"‏جـامعة الدول العربية‏"‏ منذ الحـادي عشر من أيار ‏(‏مايو‏)‏ عام 1945، نظامًا تعتريه الكثير من العيوب، أخطرها وأهمها‏:‏ أنه كـان خلوًا من أي فكر ‏"‏أيديولوجي‏"‏ أصيل، ولا يستهدف الوحدة العربية حقيقة، كما لم يحدد الأهداف القومية العربية، أو المصالح المشتركـة، ولم تكن أهداف الحـركة الصهيونية وأبعادها الحقيقية واضحة في أذهان القادة الذين شاركوا في صوغ هذا النظام، فجاء خاليًا تمامًا من أي ترتيبات للأمن والدفاع الجماعي‏.‏

أخيرًا‏:‏ فإن معيار ‏"‏العروبة‏"‏ لم يحدد منذ قيام النظام العربي حتى الآن، فنتج عن ذلك مشكلة نفسانية خطيرة هي مشكلة ‏"‏الولاء‏"‏ ‏.‏

‏"‏وعلى الرغم من توقيع اتفاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في الثالث من نيسان ‏(‏أبريل‏)‏ عام 1950، فإن هذا الاتفاق لم يوضع موضع التطبيق العملي، اللهم إلا في صورة شكلية غير فاعلة، عقب مؤتمر القمة العربي الذي عقد في السابع عشر من كانون الثاني ‏(‏يناير‏)‏ عام 1964، وبذا خاض العرب ثلاث جولات فاشلة مع إسرائيل أتت بنتائج نفسانية خطيرة‏.‏‏.‏‏.‏ ولا يمكن اعتبار التنسيق الموقوت الذي تم بين مصر وسوريا قبيل حرب رمضان 1393هـ ‏(‏أكتوبر 1973‏)‏ دليلًا على أنه كان هناك ‏"‏ أمن عربي‏"‏، فإذا ما علمنا أن بعض أطراف الصراع العربي الإسرائيلي قد آثر السلامة والسلام الواقعي DEFAVTO مع إسـرائيل منذ عـام 1967، وأن أطرافًا أخرى اتبعت ‏"‏استـراتيجـية السـلام‏"‏ وأن حرب رمضـان ‏(‏أكـتوبر 1973‏)‏ هي آخـر الحـروب، وتم تسـجـيل هذه الاستراتيجية في صورة معاهدة سلام، بدأ تطبيقها منذ عام 1979‏.‏

وأخيرًا‏:‏ فقد أعطى الطرف الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي وهو منظمة التحرير الفلسطينية ـ أقصى ما يمكن تصوره من تنازلات‏.‏ إن جـاز لنا أن نتساءل هل لا تزال إسرائيل هي العدو الأول للعرب‏؟‏ وهل هناك ما يسمى حقيقة الأمن العربي‏؟‏ ‏"‏‏.‏ ‏"‏لقد أخلت‏"‏ حـرب الخليج‏"‏ ونتائجـها بفكرة الأمن العربي إخـلالًا تمثل في الاقتتال العربى/ العربي من البداية، وإلى إخراج أحد أكبر القوى العربية من حلبة الصراع مع إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة، وخلق فراغ قوة Power Vacum خلف ‏"‏سوريا ‏"‏ التي تعد بمثابة خط الدفاع الأول ضد إسرائيل في الجولة القادمة، فصار خطًا يفتقد العمق الاستراتيجـي‏"‏‏.‏‏"‏وفي محاولة أخـيرة لصوغ نظام ‏"‏للأمن العربي الخالص‏"‏ على حد التعبير المتداول ـ تجاه إعلان دمشق، ليضع الكثير من علامات الاستفهام أهمها‏:‏ هل اقتصر مفهوم الأمن العربي على سوريا ومصر والسعودية وإمارات الخليج‏؟‏ وهل يجوز أن يكون هناك نظام أمن غير موجه ضد أحد‏؟‏ ‏"‏إن الموقف المائع في البحـر الأحـمر وبخـاصـة في ظل جـو من الجـفاء بين اليـمن والسودان من جـانب، وبين مصر والمملكة العربية السعودية من جـانب آخـر، وفي ظل غموض الموقف في أثيوبيا وإطباق كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على مجريات الأمور هناك، وأخيرًا في ظل الانهيار الكامل الذي حدث في الصومال، وتزايد الوجود الغربي والإسرائيلي عند المدخـل الجنوبي للبحر الأحمر ـ ليجعل تأمين هذا البحر أمرًا يكاد يكون مستحيلًا، ولا يخفى أن قيام مصر بالتعاون مع جمهوريتي اليمن بتأمين جنوب البحر الأحمر في أثناء سير عمليـات رمضان ‏(‏أكتوبر 1973‏)‏ كـانت له نتائج استراتيجية على جانب كبير من الأهمية،‏.‏ وكيف يمكن تأمين البحر الأحمر في ظل نزوح اللاجئين من القرن الأفريقي إلى اليمن والسودان واحتمال موت أكثر من 15 مليونًا في هذه المنطقة جوعًا‏"‏‏.‏‏(‏لقد أثبتت،‏(‏حرب الخليج‏)‏ خطر الموقع الاستراتيجي، وخطر ثِقْل ‏(‏تركيا‏)‏، وتأثيرها على مجريات أي جولة قادمة مع إسرائيل، باعتبار ‏(‏تركيا، عضوًا في حلف شمال الأطلنطي، وحليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تكون بالتالي حليفًا لإسرائيل، وخصوصًا في ظل وجود علاقات استراتيجية سابقة بين البلدين، وحلول قدر من المصالح المشتركة بينهما مؤخرًا، فهل يصاغ الأمن العربي على أساس أن تركيا الدولة المسلمة هي عدو‏؟‏‏)‏‏.‏

‏"‏تضافرت مجـموعة كـبيرة من العوامل على حـدوث خلل في كـفاية تسليح القوات المسلحة، خصوصًا تلك المحيطة بإسرائيل، بسبب اعتماد كل من مصر وسوريا اعتمادًا كاملًا على استيراد السلاح من الاتحـاد السوفيتي، حتى مطلع الثمانينيات، واستمرار سوريا على هذا الوضع حتى الآن‏.‏ ونظرًا للضغوط الاقتصادية الداخلية التي تتعرض لها هذه الأقطار العربية، وزيادة مديونيـاتها ووقوع الاتحاد السوفيتي رهن ظروف يصفها الغرب بأنها مقدمات ‏"‏السقوط النهائي‏"‏، وبالتالي لم يعد قرار تصدير السلاح الشرقي للمنطقة حرًا، وإنما صارت الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم فيه بطريق مباشر أو غير مباشر؛ نظرًا لهذه الاعتبارات وغيرها، فإن الفجوة ‏"‏ التكنولوجية‏"‏ والنوعية بين السلاح الإسرائيلي والسلاح العربي تزداد‏)‏،‏.‏

‏"‏ويزيد هذا الوضع سوءًا في ظل مـا يسمى ‏"‏خطة بوش ‏"‏ التي تسـمح لإسـرائيل بالاحتفاظ بالأسلحـة النووية، وحرمان غيرها من بلدان المنطقة من أن تنتج أسلحـة نظيرة، أو حتى بديلة، كما تضع تحت يد إسرائيل مخزونًا هائلًا من السلاح الأمريكي المتقدم، فضلًا عما تنتجه إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو بتمويل أمريكي، أو بتقنية إسرائيلية خالصة، في الوقت الذي سيتم فيه التحكم في نوعية وكمية السلاح الذي يصل إلى الدول العربية‏"‏‏.‏

‏(‏أليس من الطبيعي أن تغري هذه الأوضاع إسرائيل بجاراتها العربيات، كي تشن جولة عدوانية سادسة‏؟‏‏)‏‏.‏

لقد بدأت إرهاصات هذه الجولة تتكشف، بل وبدأت إجراءات ‏"‏الحرب النفسية‏"‏ السابقة عليها من خلال مجموعة من التصريحـات التي تهدف إلى ‏"‏الردع‏"‏ من خـلال ‏"‏الإخافة‏"‏ أو ‏"‏الغموض‏"‏، ولعل أشهر وأهم التصريحات هي‏:‏

‏"‏ما أعلنه مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي في حزيران ‏(‏يونيو‏)‏ 1993، أن حربًا مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل سوف تقع حتمًا، وعندها لن تتوقف قوات جيش الدفاع عند الضفة الشرقية لقناة السويس، بل سوف تتجاوزها إلى الغرب‏!‏، ثم عاد بعد ذلك بأيام لينكر نسبة هذا التصريح إليه عقب حـدوث مذبحـة المصلين في ساحـة ‏"‏المسجد الأقصى‏"‏ يوم الثامن عشر من تشرين الأول ‏(‏أكـتوبر‏)‏ عام 1990‏.‏ ظهر عالم الآثار الإسرائيلي ‏"‏جوزيف سيرج‏"‏ على شاشة التلفاز الفرنسي ليقول‏:‏ ‏"‏إن إسرائيل ستبدأ قريبًا جدًا في إقامة الهيكل الثالث على أنقاض المسجـد الأقصى، الذي تستطيع إسرائيل تصديعه باستخدام ‏"‏التقنية الحديثة‏"‏ ‏.‏

‏"‏صرح ‏"‏إسحـاق شامير‏"‏ رئيس وزراء إسرائيل في نهاية شهر تشرين الثاني ‏(‏نوفمبر‏)‏ 1990 أن المهاجرين الجـدد يتوجـهون للتوطن بالضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين قال عنهما‏:‏ إنهما جزء من إسرائيل، وعلق على مذبحـة ‏"‏القدس‏"‏ بأن الوقت قد حان كي تمتد حدود إسرائيل في هذه المرحلة ـ من البحـر إلى النهر ـ ثم عاد تحت ضغوط الاستنكار ليصرح أن ما قاله كان ‏"‏مجرد أحلام ‏"‏‏!‏‏!‏

صرح الرئيس الإسرائيلي ‏"‏حـاييم هرتزوغ ‏"‏ في الثـالث عشر من تشـرين الثـاني ‏(‏نوفمبر‏)‏ عام 1995، ولأول مرة أن إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًا، وقد كرر إسحـاق رابين وزير الدفاع الإسرائيلي هذا الإعلان في محاضرة ألقاها في جامعة ‏"‏حيفا‏"‏ ضمن ندوة أقيمت في الأسبوع الأول من حزيران ‏(‏يونيو‏)‏ عام 1991، أن بلاده تمتلك أسلحـة نووية، وأسلحـة دمار شاملة قادرة على إبادة أي دولة، وأنه يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يظل هجوميًا بكل ما في الكلمة من معنى، وأنه قادر على بقاء القوات الإسرائيلية الأقوى والأفضل تسليحًا بالمنطقة‏"‏‏.‏

‏"‏وعلى الرغم من إنكار ‏"‏رابين‏"‏ بعض ما جاء في محاضرته، فإن، بول وولفوتيز‏"‏ وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، صرح في مؤتمر صحفي أن إسرائيل لن تتخلى عن احتكارها للسلاح النووى‏.‏‏.‏، وأن الولايات المتحدة تحثها على توقيع المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية ‏"‏‏.‏

وجدير بالذكر أن توقيع هذه المعاهدة لا يمنع الدولة التي أنتجت هذه الأسلحـة بالفعل من استمرار الاحتفاظ بما سبق أن أنتجته‏"‏‏.‏

وواصل فوزي طايل حديثه عن‏:‏

2 ـ دوافع شن الجولة الإسرائيلية العربية السادسة ومحدداتها‏.‏

‏"‏تعتنق إسرائيل مبدأ ‏"‏دفع الحدود إلى الأمام ‏"‏، وذلك استنادًا إلى ‏"‏معيار القوة المتقدمة‏"‏ The advanced power ومفاده أن القوة التي لا تتقدم فلابد أن تتقهقر، وأن الدولة التي لا تنمو من كل النواحي ‏(‏بشريًا وجغرافيًا وعسكريًا‏)‏ تنهار تدريجيا، لهذا فهي تخـوض جولة كل عقد من الزمان، وتصاحب هذه الجـولة عملية طرد تدريجى للسكان، واستيلاء على الأراضي، انطلاقًا من فكرة أن أرض ‏"‏إسرائيل الكبرى‏"‏ لابد من أن تخلص لليهود وحدهم، فهي لا تتسع لحضارتين أو لعقيدتين دينيتين، لا يمكن قيام تصالح بينهما ـ كـالإسلام واليهودية ـ وأن حل هذه المشكلة لا يكون إلا بالوسائل العسكرية على حـد تعبير يوسف أولمرت ‏"‏‏.‏

‏"‏إن المبرر الوحيد لقيام دولة إسرائيل، ولدعوة المهاجرين إلى الهجرة إليها، بل والمبرر الوحيد للفكرة الصهيونية ذاتها، هو إقامة ‏"‏إسرائيل الكبرى‏"‏ من النيل إلى الفرات، وبناء ‏"‏الهيكل‏"‏ الذي لا يتصورون إقامته إلا على أنقاض المسجد الأقصى‏.‏ وهذه أمور تستدعي بالضرورة استخدام القوة المسلحة كلما سنحت الفرصة‏"‏‏.‏

خططت إسرائيل لاستقبال قرابة مليون ونصف مهاجر ‏(‏حوالي ثلث عدد سكانها حاليًا‏)‏ حتى عام 1995، وهؤلاء يحتاجون إلى أرض للاستيطان وللزراعة، ويحتاجون إلى المزيد من المياه، إذ تحصل إسرائيل على 90% من المياه المتجددة ولا تترك لجيرانها سوى 10 % فقط، مع استخدام كل وسائل التقدم العلمي للاقتصاد في استخدام المياه، ومن المتوقع ألا يكون لدى إسرائيل أي احتياطي من المياه بنهاية عام 1991‏.‏ وهذا فضلًا عن أن الجفاف اجتاح أرض فلسطين هذا العام، وانخفض مستوى المياه في بحيرة طبرية، مما أثر في القدرة على استخراج الطاقة الكهربائية‏؟‏ ولذا فقد لا يكون أمام إسرائيل سوى العدوان العسكري للاستيلاء على منطقة منابع الأنهار العربية في سوريا ولبنان، وعلى الرغم من عرض تركيا تزويد إسرائيل بالمياه فيما أطلق عليه ‏"‏المياه مقابل السلام‏"‏ فقد تفضل إسرائيل الخيار الأول، حتى لا تقع تحت الضغط التركي مستقبلا‏"‏‏.‏

‏"‏وبعد هذا العرض حرص عالم الاستراتيجية فوزي طايل على بيان‏:‏ عوامل الضعف الخطيرة التي تهدد الكِيان الإسرائيلي الضعيف بالهزيمة إذا ما هو أخطأ الحساب ‏"‏‏.‏

‏"‏وسوف يظل العامل البشري أخطر نقاط الضعف في إسرائيل، حتى لو هاجر إليها كل يهود الاتحاد السوفيتي، لذا فهناك حساسية شديدة لدى إسرائيل تجاه الخسائر البشرية، وقد حاولوا التغلب على هذه النقطة من خلال توفير أقصى وقاية ممكنة للدبابات ‏"‏ميركافا‏"‏، وبتوفير درع المشاة، ومهمات الوقاية ‏"‏التقنية الحديثة‏"‏ والطائرات من دون طيار، وتكتيكات جديدة، بيد أن هذه الأمور جميعها لم تقلل من نقطة الضعف هذه كثيرًا ‏"‏‏.‏ ‏"‏يقع 90% من سكان إسرائيل و 90% من منشأتها للصواريخ أرض/ أرض على بقعة محدودة من الأراضي، يمكن أن تصل إليها الصواريخ من أراضي العراق أو سوريا خـلال بضع دقائق‏.‏‏.‏‏.‏ كما يمكن أن تتحقق المفاجأة، إذا ما وجهت دول أخرى كإيران والمملكة العربية السعودية ومصر صواريخها بشكل مكثف إلى هذه الأهداف‏"‏‏.‏

‏"‏تشكل قوات الاحتياط الإسرائيلية 80 ـ 85% من إجمالى قواتها، وهذه تحتاج قرابة 48 ساعة كي تعبأ تمامًا وتنضم إلى صفوف القوات العاملة، فإذا ما وجهت ‏"‏ضربة إحباط ‏"‏ Premptive strike أو تم شن ‏"‏هجوم استباقي‏"‏ من الجبهة السورية أو الأردنية خلال هذه المدة، فسوف تتغير نتيجة المعركة‏"‏‏.‏

‏"‏إن إغراق إسرائيل في استخدام الأسلحة ذات التقنية الحديثة يثير من المشكلات الفنية الخطرة بقدر ما يحقق من مزايا، ولعل أهم هذه المشاكل هي مشكلة ‏"‏تكامل الأنظمة‏"‏ System Integration، يضاف إلى ذلك أن المنظومات الدفاعية المتكاملة تتضمن بالضرورة مراحل بينية ذات تقنيات منخفضة جدًا، أو لا تقنيات على الإطلاق، كأعمال النقل والتخزين والحراسة واحتلال الأفراد لمواضعهم القتالية،‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ ويعد التدخل في هذه المراحل باستخدام أسلحة ذات تقنيات متخلفة أو حتى أسلحة بدائية حاسمة في تحويل تلكم الأنظمة والأسلحة إلى مجرد كتل من المعدن لا فائدة منها، ومما يساعد على سهولة تنفيذ هذه الفكرة وجود حدود إسرائيلية طويلة ليس من المستحيل اختراقها‏"‏‏.‏

3 ـ وجهة النظر الإسرائيلية في طبيعة الجولة المقبلة‏:‏

ترى إسرائيل حتمية قيام جولة سادسة، وأن جوهر نجـاحها في الجولة المرتقبة هو قدرتها على إيجاد مكون متوازن من العمل العسكري والتحرك الدبلوماسي، يعتمد على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى استمرار وثبات السياسة السوفيتية الحالية، بما يحافظ على حالة السلم مع مصر، وحالة توقف العدائيات من جانب الأردن ‏"‏‏.‏

‏"‏وترى أن النجاح في الجولة المقبلة ـ من وجهة النظر العسكرية ـ سوف يكون للجانب الأكثر قدرة على إحداث تكامل بين أنظمته الدفاعية، وهذا يعتمد إلى حد كبير على القيادة والسيطرة والمواصلات والاستطلاع ‏"‏‏.‏

‏"‏ومن الضروري أن تكون الحرب المقبلة سريعة وحاسمة، وطالما استبعد ‏"‏العراق‏"‏ نتيجة لحرب الخليج، فلا يبقى من يخشى تدخله سوى ‏"‏إيران‏"‏، ومع ذلك فطبيعة العلاقات العربية المتغيرة باستمرار وبسرعة، يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عدة أطراف عربية في آن واحد، وخصوصًا إذا ما طال أمد المعركة، وهو أمر في غير مصلحة إسرائيل، لكن كلما تأخر تدخل الأطراف العربية، كلما كان ذلك في مصلحة إسرائيل، حيث يمكنها مواجهة هذه الأطراف واحدًا تلو الآخر‏"‏‏.‏

‏"‏ومن المتصور أن تكون القوات الجوية الإسرائيلية، والصواريخ سطح/ سطح من طراز ‏"‏جيريكو 2‏"‏ التي جربت وجـاري إنتاجـها، هي الأداة الرئيسية لحسم المعركة، ولردع أي طرف ثالث يحاول التدخل ‏"‏‏.‏

‏"‏إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق المفاجـأة، فمن المحتمل أن تمنى بخسائر في الأرواح تقدر بـ 2000 قتيلًا، أما إن حققت ‏"‏سوريا ‏"‏ المفاجـأة، فقد تصل الخسائر إلى 4500 قتيل إسرائيلي‏"‏‏.‏

سوف تتعامل إسرائيل مع أي عملية سورية محدودة، لاستعادة الجولان ـ مثلا ـ على أنها حرب شاملة، تحاول إسرائيل تحقيق أسرع نصر بأقل تكاليف‏؟‏ باستخـدام أسلوب ‏"‏المعركة العميقة‏"‏ Deep Strike Attacks ‏.‏

‏"‏من المتوقع أن يزداد الاعتماد على الأسلحة والذخـائر ذات قدرات التدمير والقتل الأكبر تلافيًا لخـسائر الأفراد من الجـانب الإسرائيلي، فضلًا عن استخـدام وسائل التصويب الدقيقة بالليزر، ومنظومات الأسلحة الدفاعية المتكاملة ذات التكنولوجيا المتقدمة، التي لا يستطيع الجانب الآخر الحصول على مثيل لها، أو على وسائل مضادة لها، هذا إلى إمكانات الحرب الإلكترونية والطائرات الانتحارية دون طيار‏"‏ ‏.‏

‏"‏ونظرًا لما تتميز به الأسلحة ذات التقنية العالمية من تعقيد، فسوف تكون كفاية الفرد ومدى استيعابه للسلاح أو المعدة التي يقوم باستخدامها، ومدى قدرته عوامل حاسمة‏.‏ وبالقدر نفسه سوف تكون إمكانات وقدرات الأفراد على القيام بأعمال الصيانة والإصلاح والإمداد حاسمة‏.‏ لذا سوف يتفوق الجانب الذي يمتلك تقنية خاصة وينتج السلاح وقطع الغيار‏.‏ ومن العوامل الحـاسمة أيضا عملية جمع وتحليل وتخزين المعلومات، وهذا الأمر تتفوق فيه إسرائيل كثيرا، ويلحق بهذا مدى القدرة على سرعة اتخـاذ القرار المبنى على معلومات دقيقة‏"‏ ‏.‏

‏(‏‏(‏نحو استراتيجية لمواجهة الخطر الصهيوني‏:‏‏)‏‏)‏

تحت هذا العنوان واصل فوزي طايل ـ رحمه الله ـ الحديث بقوله‏:‏

‏"‏ليست إسرائيل سوى الكيان الدولى الرسمى الظاهر للحركة الصهيونية العالمية ذات القدرة على الحركة ‏"‏الكوكبية‏"‏ Globally، وعلى هذا فمواجهة إسرائيل والتغافل عن النشاط الصهيونى العالمى لن يكون له نتيجة تذكر، وبالتالى فلابد من تحرك استراتيجى ‏"‏كوكبى‏"‏ أيضا لمواجهة ذلكم الخطر الصهيونى‏"‏ ‏.‏

‏"‏مثل هذه الاستراتيجية يستحيل على دولة عربية واحدة، أو تجمع عربى فرعى أو شبه إقليمى أن يقوم بها، إذن فلا بديل عن وحدة الأمة ‏"‏ .‏

‏"‏وأيًا كان توقيت وقوع ‏"‏الجولة السادسة‏"‏ وأيًا كانت نتائجـهاـ وهي بإذن الله لناـفلن تكون الجولة الأخـيرة، فإسرائيل تدير الصراع، ومن ورائها الصهيونية العالمية ومؤيدوها، باعتباره صراعا حـضاريا عقائديا لاينتهي إلا بإزاحـة إحدى العقيدتين للأخرى‏.‏‏.‏‏.‏ ومهما قيل عن ‏"‏مبادرات السلام ‏"‏، فالعقلية الصهيونية لاتؤمن بإمكانية التعايش السلمى‏.‏‏.‏‏.‏ ولا بديل عن الصراع من أجل البقاء‏"‏‏.‏

مراجع تتصل بنفس الموضوع‏:‏

‏‏(‏1‏) تفتيت الوطن العربي ‏"‏مجلة استراتيجيا‏"‏ عدد سبتمبر ـ أكتوبر 1991 السنة التاسعة، شركة أبى ذر الغفارى للطباعة والإعلام ‏(‏ش‏.‏ م‏.‏ م‏)‏‏.‏

‏(‏2‏)‏ نحو استراتيجية عربية موحدة في أفريقيا، لواء أ، ح‏.‏ د محمد طايل ‏"‏مجلة استراتيجيا‏"‏ عدد 5 السنة التاسعة يوليو1995 ص 29ـ33 ‏.‏

‏(‏3‏)‏ العدو الخيار النووى الإسرائيلي والأمن العربى، لواء أ‏.‏ ح‏.‏ د فوزي محمد طايل ‏"‏مجلة استراتيجيا ‏"‏‏.‏ نفس العدد‏"‏ ‏.‏

‏(‏4‏)‏ الاستراتيجيـة الأمريكية وأزمة الخليج، لواء أ‏.‏ح‏.‏د‏.‏ فوزي محمد طايل ‏"‏مجلة استراتيجيا‏"‏ العدد 106 السنة التاسعة مايوـ يونيو ص 22ـ28‏.‏

‏(‏5‏)‏ الصهيونية غير اليهودية ‏(‏جذورها في التاريخ العربي، ريجينا الشريف ـ ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز ـ عالم المعرفة عدد 96 ربيع أول 1406 هــ ديسمبر 1985‏.‏

‏(‏6‏)‏ الفكر الإسرائيلي وحدود الدولة، عادل محمد رياض، معهد البحوث والدراسات العربية

ـ دار النهضة العربية للطباعة والنشر ـ بيروت ط 1985‏.‏2 م ‏.‏

‏(‏7‏)‏ جماعات الضغط اليهودية الأمريكية، عبد الله فؤاد حافظ، غير منشور ـ 1988 م‏.‏

‏(‏8‏)‏ النظام السياسي في إسرائيل، لواء أ‏.‏ ح‏.‏ د فوزي محمد طايل ـ معهد البحوث والدراسات العربية ـ 45 ـ 1989 ‏.‏

‏(‏9‏)‏Anthony H‏.‏Cordesman ‏,‏ the Gulf and the west ‏(‏Strategic relations and Military reality ‏)‏‏,‏ Westview Press ‏,‏ London ‏,‏ 1988

يقول اللواء‏.‏أ‏.‏ح‏.‏ د‏.‏ فوزي محمد طايل ‏(‏10‏)‏‏:‏

‏"‏فإذا ما حاولنا التعرف على ما يجري على الساحة الدولية ـ إعدادًا لصدام محتمل من أجل القدس ـ نجد أن القوات الأمريكية، تقوم ـ لمصلحة الصهيونية العالمية ـ بتأمين البحر المتوسط والبلقان ـ وتأمين الخليج والبحر الأحمر، فضلًا عن أمرين آخرين هامين‏:‏

ـ غرس ثقافة السلام‏.‏

ـ استعداء العالم على الإسلام‏.‏

ونعرض لهذين الأمرين تباعًا‏:‏

الأول‏:‏ ثقافة السلام‏:‏

ترتبط أفكار ‏"‏النظام العالمي الجـديد‏"‏ بغاية الصهيونية كما ذكرناها من قبل في مولفاتنا، وهي تحويل البشر إلى أشباه آدميين، يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، فلا غيرة عندهم ولا مقدسات‏.‏‏.‏‏.‏ يتعاونون ويتنافسون من أجل لقمة العيش فحسب، ويقبلون بل ويفضلون أن تصلهم دون مجهود‏.‏ فثقافة السلام تعنى محاولة تبديل سنة الله تعالى كما جاءت في كتاب الله‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏30‏]‏‏.‏ قال تعالى ‏{‏ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ولَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة 251‏]‏‏.‏

ومهما فعلوا، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجـد لسنة الله تحويلاً، من أجل ذلك يحاولون استبدال الصراع من أجل السيطرة على البيئة، بالصراع التي تحركه العقيدة، لأن ثقافة السلام تعني فرض الاسترخاء التام بين الناس، ودفعهم إلى التمتع بالمتع الحسية غير المشروعة، وبث شعور عام‏:‏ أنه لا يوجد ما يستحق أن يضحى الإنسان من أجله بماله أو بنفسه‏.‏يعنى باختصار إلغاء ‏(‏فريضة الجهاد‏)‏ من خلال القفز فوق سنة التدافع التي جعلها الله تعالى بين البشر، وإلا فسدت الأرض، وهدمت صوامع وبيع ‏"‏وصلوات ‏"‏ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا‏.‏

فثقافة السلام، هي بمثابة دعوة لأن ‏(‏يسود الفساد الأرض‏)‏، وأن يبلغ التسامح بين البشر حد نبذ العقيدة‏.‏

لذا ففي ظل ثقافة السلام لا يكون لهدم المسجـد الأقصى أي مدلول، ولا يكون للأرض المقدسة حرمة‏.‏

الثاني‏:‏ استعداء العالم على الإسلام ‏:‏

من خلال خلق ‏"‏عدو خرافي‏"‏ سموه ‏"‏الإرهاب الدولي‏"‏ ويحاولون نسبته للإسلام ‏.‏‏.‏‏.‏ والحقيقة أن محرك هذا العدو العالمى الخرافي هو الصهيونية العالمية، والدليل أن أصابع اليهودية وراء كل أعمال العنف والشغب ـ من مركز التجارة الدولي، حتى اغتيال رابين نفسه‏.‏

الهدف الذي يعلنونه عمدًا أو دون شعور هو تجفيف ‏"‏منابع الإرهاب‏"‏ على حد تعبيرهم‏.‏

وهم يقصدون ضرب جذور الإسلام، دون نظر للتصنيف الغريب الذي صنفوه ‏(‏تطرف ـ اعتدال‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏، والدليل هو سقوط هذا التقسيم، وكـانت آخر اتهاماتهم للجـامعة الإسلامية بإسلام آباد بأنها بؤرة الإرهاب الدولي، فضلًا عن الهجوم المتكرر على الأزهر وعلمـائه ومناهج التعليم به، قال تعـالى‏:‏‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 8‏]‏‏.‏

العدل وشهادة الحق، تدفعني إلى القول بأن معالجة هذا الوضع الخطير، تحتاج قدرًا كبيرًا من الحصافة والحكمة والفطنة، كي نفلت من هذه الحلقة الشيطانية قبل أن تنغلق حولنا تمامًا‏.‏

إن منابعنا كمسلمين، هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد جعلهما رب العزة في حفظه إذ قال‏:‏ ‏{‏إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 9‏]‏‏.‏

لذا، فلو اجتمعت الإنس والجن على تجفيف منابع عقيدتنا الإسلامية، فلن يستطيعوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ‏!‏ ولذا فإذا لقينا المجترئين على دين الله قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} ‏[‏الأنعام‏:‏91‏]‏‏.‏

فهـو سبحـانه‏:‏ ‏{‏هُوَ الَذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفي بِاللَّهِ شَهِيدًا‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 28‏]‏ وهو سبحـانه الذي تكفل بنصر المؤمنين إذ قال جل شأنه‏:‏ ‏{‏إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ‏}‏ ‏[‏غافر ‏:‏51‏]‏‏.‏

ويفهم الإسرائيليون ثقافة السلام كما يلي‏:‏

أ ـ إحداث تغيير في التوجهات والمفاهيم والقيم ‏.‏

ب ـ أو كما‏:‏ يقول ‏"‏موردخاي جور‏"‏ النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي‏:‏ إدارة أعمال سياسية قادرة على إيجـاد مثل هذه الحلول‏.‏ وقد ذكـرت دراسة بمركز جـافي للدراسات الاستراتيجية في /1989 عن نزع السلاح‏:‏ إن ثقافة السلام المزعومة لتستهدف عقيدة المسلمين بالدرجة الأولى، فهي صد عن سبيل الله، ومحـاولة لنزع شوكة المسلمين وإبعادهم عن أداء فريضة الجهاد، والتي لا تسقط عن هذه الأمة حال ضعفها ولا حال قوتها، فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

ولو راجعنا كلمات ‏"‏موردخاي جـور‏"‏ التي قرأتها حـالًا ‏!‏ لوجدناها هي نفس الكلمات التي ألقيت للأبواق الموجودة في بلادنا، فرددوها كما هي ‏.‏

حقيقة الموقف الأمريكي من القدس‏:‏

الولايات المتحدة الأمريكية هي مقر الجسم الرئيسي للصهيونية العالمية، منذ بدأت تلكم الحركة ‏.‏

تغلغل الصهيونية في المجتمع الأمريكي ‏(‏من مؤسسة الرئاسة وحتى الكنائس، مرورًا بالإعلام والاستخبارات والقوات المسلحة وغيرها‏)‏ ‏.‏

مثال‏:‏ ‏(‏التصويت على قرار الكونجرس بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في أكتوبر 1995، كان بأغلبية 93/ 100 عضو مجلس شيوخ‏)‏ ‏.‏

وبالبحث وجد أن هؤلاء جميعًا ما بين يهودي، وبين ما يشكل نسبة 100% كل أعضاء مكتبه الاستشاري ‏(‏السفير د‏.‏ عمر عامر نائب مساعد وزير الخـارجية المصري في ندوة القدس بجامعة الأزهر يوم / 1995‏)‏‏.‏

مثال ثان على مدى هيمنة الصهيونية على عقلية المفكر الاستراتيجي الأمريكي‏:‏ مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحـدة كلها تابعة لمجلس روساء المنظمات الصهيونية بأمريكا وأهمها‏:‏ مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى‏.‏

مثـال ثالث‏:‏ أحد إصدارات معهد بحـوث القوات الجـوية الأمريكية تحت عنوان

‏(‏Respoding to low ـ Tutensity Conflict Challenges‏)‏، وفيه تناول الدكـتور‏"‏Levis Ware‏"‏ مـوضوع الصراع منخـفض المستوى في الشرق الأوسط، في بدايتـه يحاول أن يبرر لماذا العداء للإسلام‏؟‏ تميز الإسلام بنظرة شاملة للكون ولمكان الإنسان فيه، فهو بذلك يشكل تحديًا أمام انتشار الثقافة والقيم الغربية‏.‏‏.‏، ثم ينهي بحثه بقوله‏:‏

‏[‏إن خطورة الإسلام هي خطورة دائمة وممتدة، تهدد إسرائيل والحـضارة الغربية،ويقول‏:‏ إن العرب هم أداة الشر المطلق الذي يسعى إلى إفساد برنامج الرب لشعبه المختار في أرض الميعاد‏.‏ هناك حكمة يهودية تقول‏:‏ ‏"‏إذا أمسكت بالأسد فلا تدعه يفلت منك وإلا التهمك ‏"‏وهذا هو ما نادى به‏"‏ ريتشارد نيسكون ‏"‏ في كتابه المشهور‏"‏ انتهزوا هذه اللحظة‏"‏ ‏]‏‏.‏

فهلا أبطلنا هذه المقولة، وفوتنا عليهم فرصتهم المتوهمة‏؟‏

وواصل الكاتب ـ رحمه الله ـ كلمته‏:‏ ‏"‏لكن القدس ستكون سبب وحدة المسلمين بإذن الله ‏"‏‏.‏

فما من شيء يستنفر إرادة الأمم ويوحد صفها بقدر ما تفعل الأخطار‏.‏‏.‏‏.‏ خاصة إذا اقتربت من أمور تمس العقيدة، والأمة مهددة في مقدساتها، وقيمها، وثرواتها، وأراضيها وأبنائها‏.‏‏.‏ فماذا يبقى منها‏؟‏ ومتى يكون الجهاد في سبيل الله إن لم يكن الآن‏؟‏ ولقد أجمع الكافة على أنه لا سبيل أمام الأمة سوى الجهاد في سبيل الله، لاستعادة الأرض والمقدسات، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم إذ قال‏:‏

‏(‏تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، فيختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم هذا يهودي ورائي خذه فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجر اليهود‏)‏‏.‏

وبعد‏:‏

‏[‏فهل يعني هذا أنه لا فائدة ‏؟‏‏]‏ ‏.‏

لاشك أن التهديد الموجه إلى الأمة قد بلغ مدًى بعيدًا، ولا شك أن الأمور إذا سارت هكذا، فإن الوقت ليس في صالحنا، إلا أن يشاء الله أمرًا مما لا يدخل في حسابات البشر، ويعطل علاقة السببية، فيكون ما يشبه المعجزة‏.‏

ومـع إيماننا الكامل بالله تعالى، ورضائنا بقضائه وتوكلنا الذي لا حدود له على قدرته، فإننا مأمورون بالحركة واتخاذ الأسباب، وتغيير ما بأنفسنا، ومحاولة استخراج الفرصة من الخطر الهائل الذي أحدق بأمتنا ‏{‏فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا‏}‏ ‏[‏الشرح‏:‏4،5‏]‏‏.‏

فهناك جولة قادمة لا محالة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وهي قريبة، كما أن أمامنا عمل جاد طويل وشاق ‏"‏ لنمحو به ما علق بحياتنا من شوائب، ولنخطو أول خطواتنا نحو نهضة شاملة بإذن الله، فأما عن طبيعة الحركة في المدى القريب، فالجولة القادمة مع الصهيونية هي جولة قتال متلاحم أشبه بقتال العصر الأول في الإسلام‏.‏

والعدو يدافع عن عقيدة ـ وإن كانت فاسدة ـ إلا أنه يؤمن بها إيمانًا راسخًا، ويعلم أنه يخوض من أجلها معركة حياة أو موت‏.‏ والحقيقة أنهم ليسوا على حق، فهم لايتمنون الموت أبدًا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏7‏]‏ وإن كنـا مؤمنين حقـًا قـال تعـالى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 38‏]‏ ‏.‏

{‏أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ‏}‏ ‏[‏ الحج‏:‏ 41‏:‏39‏]‏ إن الجولة القادمة هي جـولة لا تجـدي معها الصواريخ بعيدة المدى، ولا القنابل النووية، فعما قريب يتراءى الجمعان، وكل منهما يستهدف في حركته نفس البقعة المقدسة، التي عندها يحكم الله بينهما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء ‏:‏ 105‏]‏‏.‏

أي أن طبيعة الجولة القادمة مع الصهيونية كالآتي‏:‏

أ ـ حرب شاملة عامة على طول الأرض وعرضها‏.‏

ب ـ ليست ككل الحروب التقليدية، ولا يمكن أن تلعب الأسلحة النووية فيها أي دور‏.‏

جـ ـ وقد أتصور أن استعادة القدس تحتاج إلى تعبئة عامة للأمة، وعدم التعويل على ما كان يسمى ‏"‏الرأي العام العالمي‏"‏، ولا المجتمع الدولي، و لا الشرعية الدولية، لماذا‏؟‏ لأن كل هذه العناصر صهيونية بأكثر من اليهود، ولا سبيل إلا بانتفاضة إسلامية تشمل الأرض كلها، تتحول إلى ثورة بكل مفهوم هذه الكلمة‏.‏‏.‏‏.‏ ثورة تغير ‏"‏النظام العالمي الجديد‏"‏ أسسه، وأفكاره، ومبادئه، ومؤسساته، ورموزه، من خلال الجهاد في سبيل الله،‏.‏‏.‏ وهو أمر يتحسب له التحالف الصهيوني الصليبي المعادي، ويعمل على إقامة تحالف دولي جديد من أجل خوضه‏.‏

لكن حذاري من أن يتمكن أعداونا من اختراق صفوفنا، كما نجحوا من قبل كثيرًا على طول تاريخنا الإسلامي ‏.‏

وأما عن طبيعة الحركة في المدى المتوسط والطويل، فهي تحـرك لاستعادة القيم الإسلامية، وإعادة بناء الإنسان المسلم على أساسها‏.‏

فهو عمل ثقافي تربوي في المقام الأول، يتم من خلاله تربية الأجيال القادمة على قيم الإسلام على حب الجهاد في سبيل الله، على طلب العلم والإقبال الجاد على العمل وإتقانه، على الاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة، والاهتمام بعظائم الأمور، وعدم الانشغال بتوافهها، وألا نتولى إلا الله ورسوله والذين آمنوا‏.‏

د ـ إن جوهر الأمن في أمتنا هو الإيمان والجهاد في سبيل الله ‏.‏

قـال تعـالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ومَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 10ـ13‏]‏ ‏.‏

والنصر بإذن الله سيكون في الدنيا والآخـرة للصادقين مع الله تعالى، قال تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ ولا فَسَادًا والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 83 ‏]‏ ‏.‏

إن الأمة في حاجة لمن يوقظها ويكون لها قدوة وأسوة حسنة‏.‏

وليس هناك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نبي‏.‏

فمن أجدر من العلماء وهم ورثة الأنبياء للقيام بهذا الدور‏؟‏

وعلماؤنا يحتاجون إلى أن تكون لهم مصداقية، وهذه تأتي بأن يطوع كل منهم نفسه ويقصرها على الحق قصرًا ‏.‏

على كل عالم في هذه الأمة أن يكون إسلامًا يمشي على قدمين، يضرب المثل في إيمانه واعتصامه بحـبل الله، لا يأمر بالمعروف إلا ويكون قد أمر نفسه به أولا والتزم به‏.‏‏.‏، أن يكون مثالًا في التضحية والإيثار‏.‏‏.‏‏.‏ أن يتقدم الصف حتى يتبعه الناس‏.‏

ولن يصلح حـال الأمة في عاجل أمرها وآجله إلا بهذا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 73‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ رَاكِعُونَ مَن يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا ولَعِبًا مِّنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ والْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ واتَّقُوا اللَّهَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة ‏:‏ 55/57 ‏]‏ ‏.‏